"تصفيح البنات" عادة متوارثة فرضتها ثقافة ترحال الرجال في شمالي موريتانيا

أربعاء, 15/03/2017 - 13:13
أغلب سكان الشمال الموريتاني لا يفضلون الحديث عن ظاهرة تصفيح البنات

نوافذ (نواكشوط ) ــ في موريتانيا دفعت ثقافة ترحال الرجال بالعديد من العائلات القاطنة  في شمال البلاد إلى ظاهرة "تصفيح  البنات"، بحجة "حماية شرفهن".

و"التصفيح " أو "التقفال" كما يطلق عليه محليا، هو نوع من أنواع السحر منتشر بكثرة في الولايات الموريتانية الحدودية مع الجزائر والمغرب، وتقوم  به نساء  بعض القبائل المحافظة خاصة في نواذيبو وازويرات بالاستعانة بسحرة ، بزعم  الحفاظ على  عذرية البنات ، وخوفا عليهن من الاغتصاب.

ويقول "س م"، وهو أحد المشتغلين في المجال، إن فكرة التصفيح تقوم على مجموعة من الطلاسم السحرية توضع في رحم الفتاة، وتمنع أي رجل من فض غشاء بكارتها وتبقى سارية المفعول حتى يوم زواجها، حيث تذهب والدة الفتاة  أو قريباتها إلى الساحر أو الساحرة لإزالة هذه التصفيح، مقابل مبلغ مالي زهيد.

ضحايا يخرجون عن صمتهم

تجربة

ويروي "محمد"، وهو اسم مستعار لأحد ضحايا عادة التصفيح، كيف تحولت ليلة زفافه إلى كابوس، بعد أن اختار الزواج من  فتاة  من سكان العاصمة الاقتصادية نواذيبو، كان قد تعرف عليها عن طريق موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.

ويقول "محمد" لـ"أصوات الكثبان" إن  "كل شيء سار على ما يرام، خطبة ثم زواج لكن  صدمة ليلة الدخلة كادت أن تحول حياته إلى جحيم لا يطاق".

ويضيف "محمد" أنه حاول الدخول بزوجته ليلة زفافه بعد حفلة صاخبة، ولكن المفاجأة كانت في انتظاره، فيقول "حاولت بشتى الطرق الدخول بزوجتي لكن دون فائدة، فبدأ الإحباط يتسلل إلى قلبي بعد أن تيقنت أني عاجز جنسيا".

وأضاف "اتصلت على الفور بصديقي وأخبرته بالقصة، فحاول تهدئتي وإقناعي بأن التعب والتوتر هما سبب الموضوع، ونصحني  بشراء عقار "الفياغرا"  من أقرب صيدلية، ففعلت  لكنني أصبحت أشعر بالعجز أكثر فأكثر وأصبحت الدنيا حالكة في عيني وتمنيت الموت لحظتها".

ويؤكد "محمد" أنه في صباح اليوم التالي طلب من زوجته عدم البوح بما حدث، وأخبرها أنه ينوي طلاقها بعد ثلاثة أيام، لأنه لم يعد رجلا، بحسب تعبيره، قبل أن تقاطعه بصوت خافت إنها سمعت من أخواتها قبل فترة أن والدتها عرضتها وأخواتها على ساحر وهن صغيرات بغرض تصفيحهن، وأن عليها أن تتأكد عن طريق الهاتف من الموضوع، وبالفعل أكدت لها والدتها  تلك الرواية وجلبت معها ساحرا في المساء قام بتعطيل السحر، وتمكن الزوج في نفس الليل من فض بكارتها ،لكنه لم يرتح للموضوع وقرر وضع حد لعلاقتهما بعد شهر واحد من زواجهما، وعاد أدراجه إلى العاصمة نواكشوط مكان سكنه الأصلي، حيث التقته "أصوات الكثبان".

ويرى" محمد" أن تجنب الحديث عن الظاهرة، زاد من استفحالها في موريتانيا، وبخاصة في بعض المجتمعات التقليدية، لهذا السبب قرر إطلاق حملة إعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي  للتعريف بمخاطر "التصفيح" الذي يُمارَسُ على نطاق واسع في الشمال الموريتاني.

عادات متوارثة

مؤيدو التصفيح يعتبرونه حلا مناسبة لحماية البنات من الاغتصاب

لا تُخفي "أمكلثوم"، التي عرفت نفسها كمختصة في المجال، اعتزازها بظاهرة تصفيح البنات التي تدعي أنها  تساهم في حمايتهن من ظاهرة الاغتصاب التي  تفاقمت في السنوات الأخيرة، في أغلب القرى والأرياف الموريتانية.

وترى "أمكلثوم" في حديثها لـ"أصوات الكثبان" أن "ظاهرة التصفيح  ليست بالجديدة ،بل ضاربة في القدم خاصة في الشمال الموريتاني، معتبرة أن حياة البدو والترحال التي كانت سائدة دفعت برجال القبيلة إلى التنقل مرارا بحثا عن الكلأ والمرعى، وهو ما نتج عنه ترك النساء في المضارب دون حماية، وهو ما جعل عديد العائلات تلجأ إلى التصفيح خوفا من الاعتداء على شرف بناتها، ومع الوقت أصبحت عادة متوارثة لا ينظر إليها بنوع من الريبة".

وتؤكد "امكلثوم" التي تدعي أنها قادرة على تصفيح أي بنت لم تبلغ عشرة أعوام، أن تلك العادة أثبتت نجاعتها مع الوقت، وأصبحت مصدر حماية  للبنات ومبعث ارتياح للعديد من العائلات المحافظة.

حسرة وندم

التصفيح يتحول الى لعنة تطارد ضحاياه

بكل حسرة تُعَبِرُ"خديجة" عن خيبتها بعد أن  ضيعت مستقبل ابنتها "السالكة" قبل عقدين من الزمن ،حين قامت بتصفيحها على يد ساحر افريقي  كان  يمارس أنشطته آنذاك في مدينة نواذيبو.

وتقول "خديجة" التي التقيناها عند أحد محلات الرقية الشرعية  في نواكشوط الجنوبية، إنها "قامت بتصفيح ابنتها وهي في عمر الخامسة، وبعد زواجها  عام 2015  فشلت في ممارسة حياة طبيعية بسبب عجز زوجها عن فض بكارتها، وهو ما دفعه إلى تطليقها لاحقا لتبدأ رحلة معاناتها بحثا عمن يزيل لعنة ابنتها".

وتؤكد خديجة أنها انتقلت من مدينة الى أخرى، بحثا عمن باستطاعته "إزالة التصفيح عن ابنتها، دون فائدة محذرة في ذات الصدد كل الموريتانيات من مغبة الإقدام على تضييع مستقبل بناتهن، وتركهن فريسة للسحرة بحجة حماية شرفهن".

بين الحقيقة والخيال

ويعتبر الأخصائي الاجتماعي "الدو ولد أحمدناه " أن ما يشاع عن وجود  ظاهرة التصفيح مجرد معتقدات خرافية قديمة متأصلة لدى سكان شمال افريقيا، لا يصدقها العلم الحديث.

 ويقول" ولد احمدناه" إن فكرة وجود أمور كالتصفيح تتحكم في حياة الفتيات، وتجزم بأن هذه الخرافات التي يتم إقناعهن بها تكون سببا في فشل العلاقات الإنسانية بصفة عامة.

نَفسُ القناعة يتقاسمُها معه أخصائيون آخرون من موريتانيا ودول الجوار، إذ يؤكدون أن الضغط النفسي قد يكون عاملاً رئيسياً في  نجاح عملية الدخلة  ليلة الزواج، وفي حال فشلها يكون السحر أو "التقفال" مجرد شماعة يتخذها أهل الزوجين لتبرير فشل الضعف الجنسي لدى الزوجين.

بدوره ، أخصائي  أمراض النساء والتوليد الدكتور "عبده ولد التقي" ،فقد أيد رأي الأخصائيين الاجتماعيين في مسألة التصفيح .

ولفت "ولد التقي" الانتباه في تصريح لـ"أصوات الكثبان" الى أن ما يثار عن التصفيح، مجرد معتقدات خرافية ،لا توجد إلا في أذهان أصحابها ،معزيا فشل ليلة الدخلة إلى أسباب نفسية بحتة تخص الزوجين.

وعلى خلاف تلك القناعة، يؤكد عالم الدين"احمد ولد سيد" أن ظاهرة التصفيح  موجودة بالفعل، وهي تندرج  ضمن أعمال الشعوذة التي يتعامل بها السحرة ، ويمكن إزالته ومعالجة المتعرضة له من النساء بالرقية الشرعية، مضيفا أنها من المحرمات شرعا لما فيها من أضرار جسيمة على المجتمع.

ضحايا يخرجون عن صمتهم
مؤيدو التصفيح يرونه حلا مناسبا لحماية البنات من الاغتصاب