هزّة في جدار الاصطفاف: ماذا تقول صورة الفريق مسغارو والوزير سيدنا علي؟

أربعاء, 26/11/2025 - 10:16

لقاءٌ يكسر هندسة الاصطفاف… وصورةٌ تفتح السياسة على احتمالات غير مسبوقة

كما أنه بالمنطق الهندسي الخطوط المتوازية لا تتقاطع أبدا مهما تم تمديدها، كذلك فى المنطق الطائعي لا تلتقي المعارضة والموالاة تحت أي ظرف.
وفاء لذلك، كان من المألوف تحاشى من له صلة بالنظام المرور من شارعٍ يستخدمه طرف من البر الآخر، أو أن يعمد إلى إلغاء سفرٍ يضطره إلى مشاركة معارض مركبة في سماء الله الواسعة...
تفسير الصورة الملتقطة للفريق المتقاعد مسغارو ولد أغويزي مع الوزير السابق سيدنا علي ولد محمد خونه، وبالعين المجردة، ودون تعمق لا يحتاج كبير عناء حال اعتماد المنطق الطائعي. 
لا حقا، وعلى تعاقب الأنظمة، خرجت المصافحات من صناديق المحظور، لكن بحذرٍ يزن حرارة الكفّ ودرجة الميلان في الابتسامة، مخافة أن تُفهم اللمسة الزائدة على أنها ميلٌ عن الصفّ أو ترخُّصٌ في الولاء.
وعلى هذا السلّم المتدرّج، جاءت صورة الفريق في احتياط الجيش الموريتاني، حديث العهد بالتمسيك بدواليب الأمن في بلدٍ تتقاطع فيه السياسة بالظلّ وتتشابك فيه الولاءات، مع معارضٍ ووزيرٍ سابقٍ ظلّ اسمه، وما يزال، يحيل إلى المواجهة والجرأة ودفاتر القضايا الثقيلة. 
رغم اكتظاظ منزل الوزير ولد محمد خونا، خلا إطار صورة الرجلين من كل شائبة. فجاء خارج سياق الاستقبالات الجماعية. وزمانيا جاءت الصورة مبكرة للغاية وخلال الساعات الأولى من عودة الرجل لمنزله وأهله، مختارة بعناية، كأنّها إعلانٌ صامت، أو قل: قراءةٌ مفتوحة على احتمالات لا عهد للساحة السياسية الحديثة بمثلها.
تعدّدت القراءات بتعدّد خلفيات مقدميها؛
بعض من أنصار النظام الأمنيين من الذين يتنازعهم ولاء للفريق؛ إما بحكم كونهم من مكتتبيه، أو لأنهم خدموا في الجهاز أيام توليه لقيادته، وعبودية لا مناص منها لمراكز القرار والآمرين بالصرف منهم تحديدا؛ هؤلاء حاولوا تجريد الصورة من حمولتها السياسية، وكأنّهم يجرّونها إلى منطقةٍ آمنةٍ لا يُخشى فيها على المكتتب ولا على المموّل ولا على أصل العلاقة التي تربط الطرفين.
فرقة أخرى، مدفوعةٌ برفض داخلي منها لاحتمال خروج الفريق رسميا عن دائرة السلطة، وربما مراعاة لرغبة في قلب المعني بالتشويش على وضوح الصورة، سوّغت صعود الصورة على منبرٍ معاكس: الاستقبال من الوزير السابق السجين الخاضع للمراقبة القضائية لضابط الأمن السامي -لا ينتهي ارتباط أفراد الأمن بجهازهم إلا بالوفاة-هو إشارةُ مراجعةٍ من الرجل لموقفه.
 غير أنّ سلوك المعارض الشرس، منذ أن أغلق باب السجن خلفه، لا تُصادقه هذه القراءة: ففي صباح ليلة خروجه من سجنه، قصد محبس الرئيس محمد ولد عبد العزيز لإلقاء التحية، وفي المساء قال لرفاقه في إيرا وحزب الرك إنهم محظوظون بمعرفة السجن باكراً…وأنه صاعدا لن يكون لهم أثرة... وهي كلمات لا تصدر عمّن يعود عمّا اعتقد.
ثم في اليوم الموالي وبشكل أكثر عنفوانا وجه خلال نقطة صحفية رسالة صريحة لرئيس الجمهورية ولد الغزواني:" موعدك مع السجن هو لحظة خروجك من السلطة ...رفعت الأقلام وجفت الصحف"
 الموالون للفريق من شيعته، لاذوا بتأويلٍ اجتماعيّ، كأنهم يبحثون عن ستارٍ تُطوى تحته دلالات الصورة. 
في خلفية المشهد طرفٌ "غير" لزم الصمت الناطق، وهو ينتشي بالحرج والصخب الذي حملته الصورة أو حُمِّلته: فهى وإن لم ترتب فعليا كسب القطب المعارض "فريقا"، إلا أنها في الحد الأدنى تعنى تسجيل عدم انضباط داخل صفوف الموالاة، وعلى أمل أن يتطور الأمر لعصيان أو حركة دومينو تفعل مفاعيلها في أفق بداية العد العكسي لمأمورية في حكم المنتهية بالنسبة لمجموعات واسعة بدأت الخشية تراودها من عدم ضمان الغنيمة منها بأكثر من الإياب!
ورسائل الفريق تترا من لحظة التقاعد، من براحته تصل الصورة الرسالة، يفترض أن لا خلاف بشأنه:
- عدد وزخم الزوار بمناسبة بقائه في المنزل بمناسبة التقاعد 
- رغم أن تهجية حروف اسم "الفريق " مقرة لمغفريته: فالاسم الخاص تعطى حروفه (غ.ا.ر) للمفرد بالحسانية، ومع (الوا) تكون جماعية، أما الاسم الأسري، وقد قُدً على الاحتراف، ما يغنى عن تهجيته.
رغم ذلك وصل الرجل وفى فترة قصيرة نسبية من خروجه من الوظيفة لضجر جعله ينتشى بعجز وبيت للبصادي محمد الأمين ولد المعلوم: 
           ...                        *   مـهـلاً فُؤادي لا تَذهب بِك الفِكَرُ
واصـبـر نكائب ما يلقاك من أسفٍ * إن الكرام إذا ما نكبوا صبروا
وقد شدت بها أيقونة الشرق "علية منت أعمر تشيت" في مقام لا علاقة له بسمت "الفريق" وتربه.
وحده الأمير الكفية ولد بوسيف برر ذلك الخروج على المألوف بنكبة "حلاً":
لَحْكًتْنِ حِلَّ دَهْـرْ انْجيـهْ***مانِ فيـهْ الْ بَيْكًـ سَمَّـاعْ
وعِت انْرِفْ اعْليهْ ونِبْقِيـهْ ***ونِشْريهِ إيلَ رَيْـتُ ينبـاع ...
أما "الفريق" ففسر تفاعله مع "بيك" بنكبة مردها خلف وعد من السلطة القائمة أو تغير في معاملتها له على نحو جعله يستنهض نفسه:
 واصـبـر نكائب ما يلقاك من أسفٍ * إن الكرام إذا ما نكبوا صبروا
مع ذلك ومن واقع الحال، لا تفصح صورة الرجل اليوم عن مآل خيطه السياسي؛ كلّ الطرق أمامه مفتوحة، وكلّ القراءات محتملة، وحدها حالة “الدفاع” التي يعيشها في ظلّ الحديث عن ملف مختبر الشرطة تجعل المشهد أقرب إلى حركةٍ في العتمة منها إلى إعلانٍ صريح.
ضمن تهم ولد محمد خونة واحدة تتعلق ب:" الافتراء باتهام الجهات العليا بالخيانة العظمى"، حتى الأخ الشقيق للوزير اضطر لتركه وخياراته، وإن مثل حضوره باكرا إلى منزله بعد إعلان قبول الاكتفاء بإخضاعه للمراقبة القضائية محاولة لتدارك جفاء تعاظم مع الزمن والمواقف.
 مؤازرة الغير لمن هذه تهمته غير ودية تجاه تلك السلطات "العليا"، لكن الدفع على نحو يبرر فتح تمثيلية للمعارضة على مستوى الحوض الغربي - على الأقل – بمعرفة الفريق، بعد اعتماد تمثيلية الحوض الشرقي التي يقوم عليها الوزير المعارض، هو ما يمنع عدم ترتيب السلطات على الزيارة والصورة ما يناسبها.
واقع وحدة الاصطفاف تجعل التعويل على إخبار “الأنصار” ــ أيّاً كان وليُّ نعمتهم ــ عن الصورة غير وارد، فما لديهم عنها ليس بأمثل من الذي حاز “حراك أكّوم” منها.
طبيعة الصورة ورمزيتها تبقى معلّقة في فضاءٍ بين القول والاحتمال، بانتظار ما ستقوله الأيام عن صاحبها، وعن الدرب الذي سوف تحمله إليه خطاه، وإن مثلت باجتماع كل أبعادها قطعيا استعجالا منه للوصول للحسم بذلك الشأن بيده إذا لم ينله بيد عمرو...

#نوافذ