الأستاذ الشيخ ولد بوعسرية يكتب : و هل يرحل العظماء فعلا ...؟!

سبت, 23/01/2021 - 16:59

رحم الله الأستاذ محمد يحظيه ولد ابريد الليل فلستُ أدري كيف أعزي فيه.. إذ كيف أعزي في طودٍ لا تهزه الريح.. كيف أعزي في الشموخ و الكبرياء..

نعم، رحل الأستاذ مهيبًا، كما كان في حياته مهيبًا، واثقَ الخطوِ، صادق الوعد، وفيَّ العهدِ..
كان رحمه الله، عميقَ الفكرِ، حادَّ البصيرةِ، ينثُرُ الدُّررَ بلغةٍ جميلةٍ، ساحرةٍ و بليغةٍ، تستحضرُ تراثَ الوطن و الأمةِ و كلَّ ثقافاتِ العالم و توظّفها بمهارةٍ، لا يُدركُ كُنهها إلاّ هوَّ، في سبيل النهوض الحضاري لوطنهِ و أُمّتِه..
كان، رحمه الله- رغم السجون و صنوف التعذيب و المضايقات و عاتيّاتِ الزمنٍ- كان من أولئك المؤمنين الذين ما وَهنُوا و ما استكانوا و ما بدَّلوا و هم يدافعون، بشرفٍ و عِزةِ نفسٍ، عن مبادئهم و قناعاتهم... كان شمعةً تحترقُ، في صمتٍ مهيبٍ و بجلدٍ لا مثيل له و تواضعٍ لا حدّ له، كي تضيئَ للأجيالِ دروبَ التحررِ و الإنعتاقِ، دروبَ التّخلّصِ من قيودِ التخلّفِ والتجزئة..

كان الأستاذ محمد يحظيه، رحمه الله، موطّأَ الأكنافِ، يأسرُ، بأخلاقه الرفيعةِ و رؤيته الثاقبةِ، كلّ من يلتقيهم و كلّ من يقرأ له بمن فيهم ألدُّ مُعارضيه و عُتاةُ جلاّديهِ..

لقد رحلَ الأستاذ يحظيه في وقتٍ الوطنُ في أمسِّ الحاجة إليه و إلى أمثاله، إلى الفكرِ النّيّرِ، إلى الرؤيةِ الواضحةِ وإلى التجربةِ الغنيةِ في كلّ أبعادها.. و بقدرما كانت صدمةُ رحيلهِ كبيرةً، مُجلجِلةً بقدرِما كان الفراغُ الذي خلّفهُ كبيرًا و سحيقًا يصعبُ ملؤهُ في وقتٍ قريبٍ، فقد شغلَ، رحمه الله، بفكره و رؤاه و بشخصيته الفذةِ، أهلَ هذا المنتبذ لأكثرَ من خمسين سنة و ألْهمَ أجيالاً تَترَا جيلاً بعد جيل..

كان محمد يحظيه ولد ابريد الليل، رحمه الله، من طِينةِ العظماءِ وقد رحل في وقتٍ عزَّ فيهِ الرجالُ، و لكن هل حقًّا يرحلُ العظماء...؟!!

نسأل الله العليَّ القدير، جلّ في عُلاه، أن يتغمّده برحمته الواسعة و أن يُسكنه فسيحَ جنّاته مع النبيئينَ و الصدّيقينَ و الشهداءِ و الصالحينِ و حسُن أولئك رفيقا.. و إنا لله و إنا إليه راجعون..

            نواكشوط  17 يناير2021

              الشيخ ولد بوعسرية